وعود الله

وعود الله

وعد الاستنارة

اعداد : ميشيل نجيب دميان 
تعريف :

 + فى اللغة العربية ، الاستنارة: قوة الإدراك والفهم  
+ فى اللغة اليونانية ، استنارة:fotismos 
+ فى ا الانجليزية ، استنارة: Enlightenment

مفهوم الاستنارة:
+ مفهوم الاستنارة الروحية  ؛ ان يكون للإنسان عيون روحية وبصيرة قادرة على تمييز ومعرفة الحقائق الروحية ، التى يكشفها روح الله للإنسان المجاهد فى طريق الفضيلة ، انها المعرفة التى تعطي بالنعمة الإلهية لكي تعلم وتعقل وتقوي المؤمن في حياة الجهاد والفضيلة لنكون ابناء لله .
+ ان الاستنارة الروحية تتأتى للمؤمن بعمل الروح القدس ؛ فى المعمودية والميرون ، وينميها من خلال التوبة ، وبالصلاة ، والجهاد الروحى ، ليكون للإنسان الوعى الداخلي ؛ لمعرفة الله والحكمة والتمييز ، ومعرفة ارادة الله وصوته ، والتصرف السليم نحو العالم الحاضر والآتي .
+ ترمز الظلمة إلى حياة الخطية ، التى يفعلها الأشرار بعيداً عن النور ، لأنها مخجلة ، وتجلب العار لفاعلها ، وتحرمه من عالم النور. فأن المسيح هو نور العالم وشمس البر ، ويستمد منه أولاده نوره ، كما أن كلمته المقدسة هى نور للنفس ، ويرمز النور إلى السلوك فى الحياة المقدسة ، والقدوة الصالحة للناس.
+ جاء الربّ يسوع ليفتح عيوننا الداخلية وينير بصيرتنا ، لكي نرجع من الظلمات إلى النور ومن سلطان الشيطان إلى الله  ، انه النور الهادئ الوديع الذي يكشف لنا الطريق وينير لنا الحياة ويشرق علينا بنور الإيمان ، والحياة فى نور القداسة والفضيلة .
+ الاستنارة تشمل الإنسان كله ، شخصه وما يصدر عنه من قول وفعل ، فلا يمكن أن يكون هناك إنسان مستنير ، ويصدر عنه عمل أو قول غير مستنير،  والاستنارة ليست على مستوى واحد عند جميع الناس ، والاستنارة تحمل بطبيعتها الإشعاع على الآخرين ، تمامًا كما لا يمكن أن يُوجد نور بدون إشعاع.  
فاطلب الاستنارة دائماً لقلبك وعقلك وحياتك . .

أولا :  الله   نور ومصدر الاستنارة :
+ الله هو النور الحقيقى ومصدر كل استنارة : فهو كلى النور والاستنارة ونوره لا يحد او يوصف ، وهو خالق النور فى الكون " اللابس النور كثوب الباسط السماوات كشقة"(مز104: 2) إن الله ساكن في نور لا يدنى منه ، ونور لاهوته نار آكلة للخطايا والآثام ، ونور حكمته وعلمه وبره لا يمكن ادراكهم .. " إن الله نور وليس فيه ظلمة البتة..."(1يو5:1ـ7)
+ الله يعطينا نورة : من محبة الله انه يعطينا نعم وعطايا كثيرة ، ومنها نور الفهم والبصيرة والاستنارة الروحية ..الخ "هلم فنسلك في نور الرب.." (اش2 : 5) فيكون نور الرب دليل حياتنا فنسلك فى النور وحياة الاستنارة " لان نور الرب دليله."(سيراخ50: 31) فنور الرب ينير ظلمتنا ويرشدنا للبر والصلاح ..الخ " لأنك انت تضيء سراجي الرب الهي ينير ظلمتي ."(مز18 : 28)

ثانيا : السيد المسيح نور العالم وواهب الاستنارة 
+ المسيح نور العالم : فقد انبأ عنه اشعياء النبى فى نبوته عن مجيء المسيح نور العالم " الشعب السالك في الظلمة ابصر نورا عظيما الجالسون في ارض ظلال الموت اشرق عليهم نور.."(اش 9 : 2 )  قد جاء المسيح نورا للعالم فقد قال  " انا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." (يو 8 : 12) 
+ المسيح نور الحياة : فهو نور ينير حياتنا الروحية وطريق الفضيلة والبر..الخ  " فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" (يو 1 : 4) حيث إن الخطية والشر هى حياة ظلمة. .الخ  " فقال لهم يسوع النور معكم زمانا قليلا بعد فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام والذي يسير في الظلام لا يعلم الى أين يذهب" (يو12 : 35) من صلاة باكر نصلى "أيها المسيح إلهنا النور الحقيقى فليشرق فينا الحواس المضيئة والأفكار النورانية.." وقال القديس مقاريوس "الويل على النفس التى لا يكون فيها المسيح الربان الحقيقي ، فإنها توجد فى بحر مرارة الظلمة المرعب ، وتلاطمها أمواج الشهوات ، وتصدمها وتضربها عواصف أرواح الشر، وتنتهي بالهلاك." !
+ المسيح دعانا ابناء النور : لقد دعى المسيح كل المؤمنين به ابناء النور حيث انه هو النور الحقيقى الذى ينير لكل انسان "ما دام لكم النور امنوا بالنور لتصيروا ابناء النور" (يو12 : 36) بل دعانا نوراً للعالم لننير السالكين فى ظلمة العالم والخطية..الخ " انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل.." (مت 5 : 14) مثال نور المسيح ، كنور الشمس حيث نورها من ذاتها ، ونور المؤمنين كنور القمر حيث ليس له نور من ذاته ، وهو يستمد نوره من نور الشمس ..
+ يعطينا الاستنارة : انه ينير القلب والفكر والذهن والسلوك ،  فيكون المستنير بنور المسيح كالقائم من الموت..   " استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح " (اف 5 : 14)  ولكن الشيطان يعطى ظلمة للاذهان حتى لا يروا نور المسيح   " الذين فيهم اله هذا الدهر قد اعمى اذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم انارة انجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله" (2كو 4: 4) قال القديس اغسطينوس  " لنقترب إليه ونستنير لأنه هو النور الحقيقي "بنورك يا رب نعاين النور" وهو النور الذي ينير لكل إنسان الآتي الى العالم ، ولكونه النور فهولا ُيخزى ، ولا يسمح لمن يستنير به أن ُيخزى."

 ثالثا : الاستنارة بالروح القدس:
+ الاستنارة بالروح : يعطي الروح القدس للإنسان  استنارة روحية فائقة ، تمكنه من العبادة بالروح والسلوك بالروح والخدمة المؤثرة ، والشهادة للمسيح بكل شجاعة ..الخ"وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء."(1يو20:2) يقول القديس باسيليوس الكبير عن الروح القدس " أنه مصدر القداسة والنور العقلي ، والذي يهب كل الخليقة الاستنارة لفهم كل شيء."

رابعا: وسائل الاستنارة :
1- المعمودية: استنارة المعمودية ُتمنح لنا خلال هذا السر والمرتبط بعطية الروح القدس في سر التثبيت  " فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة (الحياة الجديدة المستنيرة)"(رو6: 4) إذ نستنير بالمعمودية نصير نورا للعالم ، إننا إذا اعتمدنا بالماء والروح نولد من فوق كأبناء الله بالتبني ، ونعطى استنارة روحية داخلية ، قال عنها القديس اكليمنضوس " إذ نعتمد نستنير ، وإذ نستنير نتبنى وإذ نتبنى نكمل.." وقال  القديس غريغوريوس النزينزى: " الاستنارة هى المعمودية  هي معينة الضعفاء ، واهبة النور ونقض الظلمة ، وهى مركب يسير تجاه الله ، برفقة المسيح أساس الدين.، مفتاح الملكوت ، استنارة الحياة. "
2- كلام الله : هو سبب الاستنارة الروحية والسلوك فى النور "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" ( مز119:105) " لان الوصية مصباح والشريعة نور"(أم6:23) فالكتاب المقدس نور، وبنورة ينكشف امامنا طريق الحياة الطاهرة النقية ، والسبيل الى السلوك السليم ، ونورة يكون لنا الايمان الصحيح والضمير الصالح ، ويقودنا الى معرفة الله والوصول الى ملكوته الابدى " عندنا الكلمة النبوية وهي اثبت التي تفعلون حسنا ان انتبهتم اليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى ان ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم (نور المسيح)" (2بط1:19)
3- وسائط النعمة : من صلاة وصوم وتناول وتوبة واعتراف ..الخ  قال القديس يوحنا الدرجى  عن فائدة الصلاة " إن سر دوام النعمة والفضيلة هو فى دوام الصلاة." وقال ايضا عن الصوم يعطى استنارة للنفس "الصوم هو بتر الشهوة والأفكار الشريرة وهو نقاوة الصلاة ، واستنارة النفس وضبط العقل والتخلص من قساوة القلب ، وهو الباب للندم." وقال القديس اشعياء الاسقيطى عن عمل التوبة فى اصلاح النفس " يلزم أن تتذكر كل يوم فيما أخطأت وتطلب الغفران لأن هذا يساعدك كثيرا فى معرفة الذات وإصلاحها."

خامسا : القديسون والاستنارة :
+ أنوار العالم : اتسمت حياة القديسين وآباء البرية ، بالاستنارة واتساع الأفق الروحي واللاهوتي ، وتكريس القلب لمحبة الله ، ومنحهم السكون الذي يعيشون فيه استنارة داخلية ، فكانوا نوراً للكنيسة وللعالم وللمؤمنين.. " قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك.." ( اش 60 : 1-2) هكذا أشرق الله عليهم بحبه منذ البداية فتركوا كل شيء وتبعوه ، وقد كان عند الآباء القديسين استنارة روحية فائقة ويدعونها الإفراز قال عنه القديس أباهور البهجورى "الإفراز(الاستنارة) يجعل الإنسان يفرق بين الخير والشر ، وبين الفضيلة والرذيلة ، كما يحثنا علي العمل حسب مرضاه الله وتنفيذ وصاياه." يقول القديس انطونيوس لتلاميذه "لا أمل الطلبة عنكم ليلاً ونهارًا، لكي يفتح الرب عيون قلوبكم وتعرفوا مكر الشياطين وخداعهم وشرهم، وأن يعطيكم قلباً صاحياً وروح إفراز لكي تستطيعوا أن ترفعوا ذواتكم ذبيحة لله، وتتحرزوا من مشورة الشياطين الرديئة."  ولاجل هذة الاستنارة الفائقة ترسم هالة منيرة حول رؤوس القديسين علامة الاستنارة الروحية فى ايقونات الرسل والقديسين..
+ القيادة المستنيرة: التى امتاز بها قادة الكنيسة وآباء الرهبنة ، بذهن مستنير بالروح القدس، وذلك بالتدبير الحسن والمشورة الصالحة ، التي تعْبُر بالكنيسة في أوقات المحن إلى برِّ السلام .. " نظروا اليه واستناروا ووجوههم لم تخجل" (مز34: 5) والاستنارة تحمل بطبيعتها النور والإشعاع على الآخرين ، ولقد درب الآباء أولادهم كيف يستنيرون ويأخذون من الله ويشرق بنوره فيهم حتى يستطيعوا من ثمّ أن يرشدوا هم آخرين. فهي ليست مسألة تلقين فقط ، ولكنها نقل الشعلة الاستنارة للاخرين ، قال القديس مقاريوس "كما أن الأنوار والمصابيح الكثيرة تشتعل من نار واحدة ، كذلك المسيحيون يشتعلون ويضيئون من طبيعة واحدة ، هى النار الإلهية أى ابن الله ، ولهم مصابيحهم مشتعلة فى قلوبهم وتضيء قدامه."

سادسا :  مفاعيل الاستنارة :

 1- استنارة الذهن : هو البصيرة الروحية التى تدرك الحق الالهى  بنور الروح القدس ، أى الحكمة الروحية اللازمة ، وقدرة الوعي الداخلي على النظر الى الأمور التى يستعلنها الروح  فيفرزها ويكشف مقدار الحكمة فيها ويستوعبها ويفهمها ويستذكرها." مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين "(أف1: 18)  وهكذا فإن الإنسان الروحي الذي استنار بالروح القدس يصبح قادرا على التمييز بين ما هو جيّد وما هو رديء  "وأما الروحي (المستنير) فيحكم في كل شيء  وهو لا يحكم فيه من احد" (1كو2: 5) قال القديس مقاريوس الكبير "أن هذه العيون الجسدية تنظر وجه الصديق أو المحبوب ، وتتعرف عليه ، فإن عيون النفس المستحقة المؤمنة بسبب نوالها الاستنارة الروحية بنور الله ، فإنها تنظر الصديق الحقيقى الذى هو العريس المحبوب جدًا والحلو جدًا أى الرب وتتعرف عليه ، إذ تكون النفس مملوءة ومشمولة بإشراق الروح الممجد."!
2- استنارة القلب : القلب المستنير هو الذى يحب الرب ويعبده بقلب كامل غير منقسم ، ويسلك طريق الرب ولا يسلك طريق إبليس "علمني يا رب طريقك اسلك في حقك وحد قلبي لخوف اسمك."(مز86: 11) وهذا القلب المستنير هو الذى لا يتلوث بالشر ولا يحتفظ بأى خطية فيه بل يرفضها ولا يتعامل معها ويعمل دائما أعمال البر " القلب الحكيم العاقل يمتنع من الخطايا وينجح في أعمال البر" (سيراخ3: 32) ومن صلوات الاجبية  "أنر قلوبنا وأفهامنا ، أيها السيد الرب.." قال القديس أباهور البهجورى  "الإفراز (الاستنارة) يعمل علي ضبط الفكر، ويجعله يستمتع بسلام القلب ، أكثر من التمتع بشهوات العالم ، ولا يسمح للفكر الشرير أن يدنس العقل والضمير." !
3- استنارة السلوك : ويرمز النور إلى السلوك فى الحياة المقدسة ، والقدوة الصالحة للناس" اسلكوا كأولاد نور" (اف5: 8) وهذا السلوك فى النور والحياة المقدسة نور للعالم " أنتم نور العالم  فليضئ نوركم )سلوككم المبارك( قدام الناس كى يروا أعمالكم الحسنة  ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات." )مت5: 14) فان الشخص المستنير يعمل على إنارة الآخرين ، باعماله الصالحة وخدمته للاخرين ومحبته للجميع .." لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء اولادا لله بلا عيب في وسط جيل معوج  ملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم (قدوة صالحة)"(في 2 : 15 (حيث ترمز الظلمة إلى حياة الخطية التى يفعلها الأشرار، لأنها مخجلة ، وتجلب العار لفاعلها ..  "ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها" (اف 5: 11)  قال القديس أنطونيوس "تتقدس النفس النقية وتستنير بالله من اجل صفائها ، عندئذ يفكر ذهنها فيما هو صالح وتنبع عنها ميول وأفعال صالحه."!
صلاة
أبي السماوي الساكن في نور لا يدنى منه
ونور لاهوتك نار آكلة للخطايا والأثام
ونور حكمتك لا يمكن سبر أغوارها
ومحبتك للبشر تفوق العقول.
نحبك يا أبانا القدوس ونعبدك في خشوع
ونشكرك لعظيم رعايتك المعلنة لنا
من خلال بهاء مجد ابنك الوحيد
الذي أنار لنا وأعلن محبتك.
فأهدنا بالروح القدس ليعمل ويجدد طبيعتنا
 لنكون ابناًء مُكمَّلين بالفضائل.
يا روح الله أنرْ عقولنا واروحنا وقلوبنا
لنكون لك ونحيا في النور
وبك نكون انوار تنير الطريق لكثيرين.
فنحن نحتاج للاستنارة الروحية في حياتنا
نحتاج لنورك ليضئ علينا
ونسكن اخيراً في الملكوت السماوي       
فى عالم النور امين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق